مذهب الأشاعرة والمعتزلة هو سبب انتشار الفسق والمجون والظُلم

فمن هان الله ورسوله ودينهما عليه، هان عليه كل شيء، فلم يعد يأبه بالوقوع في المحرّمات، ولذلك تجد أن البيئات التي يسيطر عليها المذهب المعتزلي أو الأشعري، تنتشر فيه الزنا واللواط والسرقة والكذب، وكيف لا يكون ذلك، وهم قد وقعوا فيما هو أعظم منه!

فمما يروى في ذلك: ابن الأبّار ذاك الأشعري الصوفي القبوري، في كتابه الحلّة السِيراء، وهو يتحدث عن الملحدين، أتباع ابن تومرت، الذين يسمونهم: الموحّدين، ما نصه: "وَقد أُنْشِد بمجلسهم العلى للْقَاضِي أبي بكر بن الْعَرَبِيّ فِي مداعب لَهُ من فتيَان الملثمة هز رمحه عَلَيْهِ وَأَوْمَأَ بِهِ إِلَيْهِ:

يهـزّ عليّ الرمح ظبيٌ  مهفهف لعـــوبٌ  بألباب  الــــبريَّة  عابث

فلو  كان  رُمحاً  واحداً  لاتّقيته ولــكنه   رُمــحٌ   وثانٍ   وثالـــث

كَذَا قَرَأت فِي ديوَان شعرهم أدام الله تأييد أَمرهم.

ثم قال ابن الأبّار: "وهما عِنْدِي للْقَاضِي أبي مُحَمَّد عبد الْحق بن غَالب بن عَطِيَّة أنشدنيهما القَاضِي أَبُو سُلَيْمَان دَاوُود ابْن سُلَيْمَان بن حوط الله الْأنْصَارِيّ الْحَارِثِيّ بِمَدِينَة بلنسية" انتهى كلامه.

قلت: ولكن هذه القصيدة، حُرِّرَت في دواوين الملحدين على أنها لأبي بكر بن العربي، فنسبتها لأبن العربي من ناحية التوثيق، أوثق.

وإن لم تكونوا تعلمون من هو عبدالحق بن عطيّة، التي يقال بأن هذه الأبيات من نظمه، فهذا الرجل، هو صاحب التفسير الشهير بتفسير ابن عطيّة. وهو تفسير معتبر، عند المنتسبين للمدرسة السلفية!

وسواء كانت هذه الأبيات من نظم ابن العربي أو من نظم ابن عطيّة، ففي كلتا الحالتين، يبيّن لنا ذلك، حال هؤلاء المبتدعة الضلال من كهنة الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والصوفية والشيعة، واستهتارهم بالشريعة، واستهانتهم بالمبادئ والأخلاق الدينيّة، إلى درجة أنهم صاروا يتغزّلون بالغلمان.

وانظروا إلى ابن الأبّار الأشعري الصوفي، كيف أنه روى هذه الأبيات مستحسناً لها، ويصف المجالس التي تلقى فيها مثل هذه الأبيات القذرة بمجالس العُلى، فإن كانت مثل هذه المجالس مجالس علو ورِفعة، فما هي يا ترى مجالس الدُنُوِ والسَفَل؟!

وقال ابن كثير، في تاريخه البداية والنهاية، ما نصه: "فاحشة اللواط التي قد ابتلى بها غالب الملوك والأمراء، والتجار والعوام والكتاب، والفقهاء والقضاة ونحوهم، إلا من عصم الله منهم". اهـ

وهذه شهادة من ابن كثير، في زمنه، بانتشار هذه العادات القبيحة بين كهنة الأشاعرة والمعتزلة، لأنهم كانوا في وقته، هم المسيطرون "بقوّة السلطان" على لمراكز الدينيّة.

مما يؤكد، أن الفساد الأخلاقي، صفة سائدة في أهل الأهواء والبدع، وأنهم لم يكونوا يستترون من ذلك، بل يتهاونون فيه، ويظهرونه، نعوذ بالله من حالهم.

وهي تعطي صورة واضحة، عن حقيقة ما يوصف به هؤلاء الزائغين، من الدين والتقوى والورع والزهد، هذه الأوصاف التي ينحلها لهم مؤرخوهم، وكُتّاب سِيَرِهم. وهؤلاء المؤرخين وكُتَّاب السِيَر، إنما يفعلون ذلك، لأسباب:

أولها: الانتصار لمذهبهم، وتقديم كبراء مذهبهم، على أنهم هم أهل الدين والتقوى والزهد والعبادة، وإن كانوا يعلمون أن علمائهم بخلاف ذلك تماماً، ولكنها العصبية الجاهليّة، وليرفعوا من خسيستهم، ويجعلونهم عظماء في نفوس العامة وطلّاب العِلم، فيقبلوا إليهم، ويجالسوهم، ويقعوا في شباكهم، حتى يتعلموا منهم الزندقة والفساد الأخلاقي، فيكون الناس شركاء لهم في هذا الفساد.

وثانيها: أنهم يتقرّبون بذلك لكبرائهم، ليتوصّلوا من خلالهم على منفعة من منافع الدنيا، من مال أو جاه.

وإذا كان هذا حال علماء القوم، فما بالك بسلاطينهم الذين يتقلدون مذهبهم، والدول التي ننبنى عقيدتهم، فالسلاطين لما أعطاهم الله تعالى من زخرف الحياة الدنيا، تجدهم يقبلون على ملذاتهم، فلا يقنعهم الحلال الذي أحلّه الله بهم، حتى يتجاوزوا ذلك إلى الوقوع في المحرمات.

وجميع الدول التي نشأت في زمن ضعف الدولة العباسية، كانت كلها تتبنى هذه المذاهب، بدأ بالبويهيّة ثم السلجوقيّة ثم الزنكيّة ثم الأيوبيّة والموحّديّة ثم المملوكيّة، فقد كانت تنتشر في هذه الدول حانات الخمر والحشيش، وكان سوق الدعارة قائماً، والزنا واللواط متفشّياً، نعوذ بالله من حال السوء.

ويقال أن يوسف بن أيوب، الذي يلقبونه بصلاح الدين الأيوبي، لما استولى على ملك مصر، وانفرد به، منع حانات الخمر والحشيش، لكن والده أيّوب أعادها بحجة أنها مصدر من مصادر تمويل الدولة، من خلال ما يفرضونه عليها من ضرائب، ولم يمانع ابنه يوسف في ذلك، بل اقر والده على ذلك، وأعاد فتحها من جديد!

ومن قرأ تاريخ كيكاوس الجيلي وابن الأثير الجزري وابن إياس المصري وابن الحمصي وابن طولون الدمشقي وابن غلبون الليبي والجبرتي المصري، علِم ما بلغته تلك الدول التي أشرنا إليها، من السقوط الديني والأخلاقي، نسأل الله العافية.

وأما الظلم والجور في تلك الدول، فقد كان قد ضرب بجرانه فيها، فحقيقة تلك الدول أنها عبارة عن عصابات، يرأسها مجرم كبير، وهذا المجرم الكبير يتبعه مجرمون صغار، هم أشبه بقوّاد السرايا التابعين لقائد الجيش، فيقوم هذا القائد الكبير بإقطاع القواد الصغار أراضٍ من أراضيه، على أن يعينوه على احتلال أراضٍ أخرى وضمها لدولته، فيقوم هؤلاء القواد الصغار، بفرض ضرائب على من يقومون في الأراضي التي تم إقطاعهم إياها، لأنه يعتبر في هذه الحالة، مالكاً للأرض ومن عليها، فيفرض عليهم العشور، ليست عشور الزكاة، بل ضرائب تعود إلى خزينة هذا القائد، وهذه الضرائب، يقوم باقتسامها مع رجال عصابته، الذين يقاتلون معه، ويعينونه، وهذا ليس سوى سرقة لأموال الناس، فهذه العصابات، تتخذ من القتال وسيلة للكسب، وليس لأجل إعلاء كلمة الله تعالى، وإلا لما فرضوا هذه الضرائب أساساً!

ثم إن أكثر حروب هذه العصابات هي بين بعضها البعض، إذ لا يتوجه لحرب النصارى منها سوى اليسير، فهم يرون بعضهم أخطر على بعض من النصارى على الجميع!

وهذه الضرائب، غير الضرائب التي يتم أخذها من المسافرين والحجّاج، والتي يستخدم فيها أقذر الأساليب في نهب أموال المسافرين والحجّاج، فيقومون بإنزال جميع ما مع الحجاج من حقائق وأزودة، ثم يقومون بتفتيشها تفتيشاً عميقاً، بحيث تستخدم مناخس ليقلّبوا بها الحقائق والمزاود، ثم يدر ذلك، ويتم أخذ العُشْر منه، هذا غير المعاملة السيئة التي كانت يتعرّض لها المسافرون والحجاج من عمّال أولئك السلاطين.

هذه الأمور كانت تقع في جميع الدول التي كانت تتبنى المذهب الأشعري والحلولي والصوفي، خصوصاً، بدأ من الدولة السلجوقية ثم الزنكية ثم الأيوبية والموحدية ثم المملوكية ثم العثمانية.

حتى قال الرحالة ابن جبير الأشعري الصوفي القبوري، والذي مرّ حاجا|ً على مصر والشام والحجاز، أن المسلمين الذين كانوا تحت ولاية النصارى بساحل الشام، في زمن يوسف بن أيوب، الذي يلقبونه بصلاح الدين الأيوبي، كانوا يأسفون لحال المسلمين الذين كانوا تحت ولاية يوسف بن أيوب، لما يلاقيه المسلمين تحت ولايته من الظلم والجور والعنت وفرض الضرائب الباهظة وسوء المعاملة، بينما كان المسلمون في المنطقة التي يحكمها النصارى، يتمتعون بالمعاملة الحسنة، واللين والرفق في المعاملة، فكان النصارى للناس خير من الأشعرية والحلولية والصوفية، وهذا يدل على شدة سوء هذه المذاهب ومعتنقيها.

ولو وردت هذه الشهادة التاريخية من مبغض للأيوبيين أو مبغض لمذهب المتكلمين، لوجدنا لهم مخرجاً، ولكن هذه الشهادة، وردت من محبٍّ ليوسف بن أيوب، وعلى دينه ومذهبه، وكان يعتذر ليوسف بن أيوب، بان هذا إنما يجري من العمّال، ولا شأن ليوسف بن أيوب بذلك! وهذا عذر باطل، لأن عمال الأيوبي، لن يفعلوا شيئاً دون أمر الأيوبي، فكانت محاولة ابن جبير في الاعتذار له، محاولة فاشلة.

ولكن مؤرخي المتكلمين وكتّاب سيرهم، لم يألوا جهداً في الثناء على سلاطين تلك الدول، ومحاولة تلميعهم، ووصفهم بجميع الصفات الحسنة، كل هذا لأجل أنهم على مذهبهم، فلو كانوا شياطيناً لقالوا عنهم بأنهم ملائكة!

ومن أراد المزيد، فليراجع التواريخ المذكورة. 

ولهذا نجد المنتسبين من أتباع المدرسة السلفية، ربما عملوا مثلهم وحذوا حذوهم، لأنهم يتلقون العلم عنهم، ويقرأون سيرهم، فيقرأون أنهم كانوا زهاداً عباداً قائمون الليل بالقرآن، وفي نفس الوقت يقرأون أشعارهم الماجنة، وأحوالهم الساقطة، فيجتمع عندهم النقيضين، ويستقر في قلوبهم أن هذه الأحوال لا تتعارض مع بعضها وأنه يمكن للرجل أن يجمع بين العبادة والزهد وقيام الليل وقراءة القرآن، مع عدم امتناعه عن الوقوع في كبار الفواحش كالزنا واللواط والسرقة والرشوة، ونحو ذلك، وهذا جزاء من جالسهم وتلقى العلم عنهم وعظّمهم، نسأل الله العافية والسلامة.