نشأت فرقة المعتزلة، كفرقة من فرق الخوارج، في الوقت الذي نشأت فيه فرقة الجهمية، على يد واصل بن عطاء الغزال البصري، المتوفى سنة 130 للهجرة، وقيل: سنة 131 للهجرة.
وكان واصل تلميذاً للحسن البصري، التابعي الجليل، فحصل بينه وبين الحسن، خلاف في مرتكب الكبيرة، حيث قرّر واصل أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين، في الدنيا تجري عليه أحكام المسلمين، وفي الأخرة تجري عليه أحكام الكافرين، فهو خالد مخلد في النار.
وبسبب هذا الخلاف اعتزل واصل بن عطاء حلقة الحسن البصري.
واعتزل معه رجل أخر وهو: عمرو بن عبيد بن باب، وجده باب من سبي فارس، مولى لبني تميم، وعبيد أبو عمرو، كان نسّاجاً، ثم تحول شرطيّاً للحجاج، مات عمرو بن عبيد بطريق مكة سنة 143هـ وقيل: سنة 144هـ
فقيل لهم: المعتزلة، وصار هذا الاسم وسماً عليهم إلى اليوم.
فأصل المعتزلة أنهم فرقة من فرق الخوارج.
فأما واصل بن عطاء، فلم يؤثر عنه إلا أنه كان يقول بالمنزلة بين المنزلتين، أما عمرو بن عبيد فقد أضاف إلى بدعته بدعة أخرى، وهي إنكاره للقدر، وإنكار أن الله يعلم بالوقائع قبل وقوعها، وهذا إلحاد، إلا أنه لم يؤثر عنهما أنهما احتكا بالجهمية، أو تقلدا مقالتهم في انكار صفات الله تعالى.
وإنما اشتهر المعتزلة بالتجهم بعد ذلك، بحيث امتزج الاعتزال بمذهب الجهمية امتزاجاً كُليّاً، حتى صار كل معتزلي جهمي، وكل جهمي معتزلي، وذلك في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الهجري، وأصبح اسم المعتزلة مرادفاً لمسمى الجهمية، ومسمى أهل الكلام والفلسفة، ولذلك كان أئمة السنة، يسمون المعتزلة: الجهمية.
فاجتمع في المعتزلة ثلاث ضلالات:
أولها: القول بالمنزلة بين المنزلتين، وتكذيبهم لما ورد في القرآن، من أنه لا يخلد في النار إلا المشركين.
وثانيها: انكار القدر، وتكذيبهم لما ورد في القرآن من إثبات القدر، وأن الله قد أحاط علمه بكل شيء، وأن الله قدّر مقادير الخلائق قبل خلقها.
وثالثها: انكار صفات الباري سبحانه وتعالى، وتحريف آيات القرآن التي وردت بإثبات الصفات والتكذيب بالسنّة.
ولذلك فإننا سوف نستخدم مسمى المعتزلة، للدلالة على الجهمية.