تلاعب الأشاعرة في تفاسيرهم وشروحاتهم باللغة

لن أطيل في الشرح فقد كدبوا في معاني لغة العرب ووضعوا لها معان لا تتعارض مع عقائدهم الإلحادية مثل تأويلهم للأستواء بالاستيلاء والذي لاتعرفه العرب من كلامها مطلقا ووصعهم بعض الابيات المصنوعة للتأكيد على هذا المعنى.

ولكن سوف اضرب مثال على تلاعبهم في نواحي أخرى مثل قضية الحذف الذي يقع في كلام العرب.

يقول كهنة الأشاعرة في قوله تعالى (وجاء ربك) ان هذه الآية وقع فيها حذف تقديره (وجاء امر ربك)

وفي لغة العرب الحذف لا يقع الا اذا سبق الكلام المحذوف ما يدل على وقوع الحذف فيه أو كان هناك قرينة جليّة تثبت وقوع الحذف فيه.

مثال:

س : اين أحمد؟

ج : ذهب الى السوق

تقدير الجواب : ذهب احمد الى السوق ولكن المجيب حذف اسم أحمد لدلالة الخطاب عليه

فدل وجود الحذف في كلام المجيب ما سبقه من كلام السائل.

أما إذا لم يسبق الكلام ما يدل على وقوع الحذف فهذا يعني ان الكلام لم يقع فيه حذف.

قان اعترض ابله اشعري على ذلك قلنا له: افدنا كيف عرفت انه وقع حذف في قوله تعالى (وجاء ربك)؟

وأما القرينة الجلية التي تثبت وقوع الحذف في الشيء، كقوله تعالى: (واسأل القرية التي كنّا فيها) القرية هي البلدة فكيف تسأل، إنها لا تنطق لأنها جماد بالنسبة لنا، والجماد بالنسبة لنا لا ينطق معنا، وإن كانت الجمادات وضعها يختلف مع خالقها، فهي تنطق له إذا شاء وتسبح بحمده ولها حياة لا ندركها نحن البشر.

إذا ببديهة العقل المستمع - ودون أي تدخل خارجي أو توضيح من طرف أخر- يفهم مباشرة أن المراد أهل القرية، فالمتكلم حذف "أهل" لعدم الحاجة إليها ولكون سياق كلامه يدل عليها.

ولكن يا مسلمين، أي قرينة وقعت في قوله تعالى: (وجاء ربك) لنقطع بوجود حذف في الكلام؟! هل يعقل يا أحبه أننا عندما نقول "جاء أحمد وأصحابه" أن نظن مجرد ظن أن الذي جاء ليس أحمد وإنما أمر أحمد؟! هل يعقل هذا! 

لكن الأشاعرة والمعتزلة يشبهون الله تعالى وتقدس بالعدم، فالعدم لا ينطق ولا يتحرك ولا تعتريه الإنفعالات النفسية، وعلى هذا فإذا جائت آية تذكر أن الله يأتي ويجيء ويتكلم ويشعر، أرجعوا هذه الآيات إلى أصلهم الفاسد الذي بنو عليهم دينهم في معرفة الله وصفاته.

فكما أننا تأولنا معنى قوله تعالى: "واسأل القرية التي كنا فيها" لأن القرية بالنسبة لنا جماد لا ينطق.

فكذلك هم تأولوا الآيات التي ورد فيها أن الله يجيء ويأتي ويتكلم، بناء على أنهم يعتقدون أن الله يتصف بصفات العدم، مما تلقوه عن افلاطون وارسطو، حيث قررا أن الله لا يتصف إلا بصفات السلوب، فهو لا صفات له ولا يتحرك ولا يجيء ولا يتكلم ولا يسم الأصوات ولا بصر المرئيات .. الخ فإذا قال الله في كتابه: (وجاء ربك واللك صفا صفا) قالوا: أفلاطون وأرسطو يقولان بأن الله لا يتحرك، وقول افلاطون وارسطو عندهم حق لا باطل فيه وصدق لا كذب فيه ويقين لا ظن فيها! فالمحكم عندهم هو قول أفلاطون وأرسطو، والمتشابه من القرآن ما خالف قول افلاطون وارسطو! فيردون المتشابه عندهم وهو كلام الله إلى المحكم عندهم وهو كلام ملاحدة اليونان! وبما أن وجاء ربك متشابه ظاهره يخالف ما قرره إمامهما أفلاطون وأرسطو، فعندئذ يعمدون إلى التأويل، ويقولون: هذا كلام ليس على ظاهره، وتأويله وجاء أمر ربك! فجعلوا الله تعالى وتقدس كالقرية وتأولوهما سواءً، تعالى الله علواً كبيراً عن إلحادهم وكفرهم.

ومتشابه القرآن لا يوزن بمثل هذا الميزان المنحرف، فمتشابه القرآن يبينه محكم القرآن، فإن لم يكن للآية ما يحيل معناها الظاهر من القرآن نفسه، فهي ليست من المتشابه بل هي محكمة، وكذلك سنة رسول الله إذا لم يكن فيها ما يبين معناها من السنة فهي على ظاهرها.

مثال: قوله تعالى: (نسو الله فنسيهم) النسيان في كلام العرب له معنيان: الترك أو فقد ذكر الشيء. فإذا رجعنا إلى القرآن نفسه، وجدنا الله يقول: (لا يضل ربي ولا ينسى) وهذه الآية لا يمكن حمل كلمة" ولا ينسى. على معنى الترك، بل على معنى فقد ذكر الشيء، فالله يقول أنا لا أفقد ذكر شيء، بحيث لا استرجع ذكراه، فعلمنا بموجب هذه الىية المحكمة، أن معنى قوله تعالى: (نسو الله فنسيهم) أي: تركوا الله فتركهم.

إذا فنحن نعلم متشابه القرآن من القرآن، ونفسره من القرآن ولا نخرج عن إطار الوحي في ذلك، والسنة مثل ذلك.

إذا فكلام العرب واضح حتى وإن وقع فيه حذف أو استعارة أو كان أمثلة أو غير ذلك القرآن واضح، وما أفسده إلا تفاسير هؤلاء الملاحدة المتكلمون قبحهم الله.

تنبيه: وأيم الله لو سلط الاشاعرة والماتريدية والمهتزلة علي القرآن لحرفوا نصوصه ولبدلوا عباراته وزادوا فيه ونقصوا ليتفق مع اهوائهم كما فعل اليهود النصارى من قبل ولكن الله حفظ كتابه ليكون حجة عليهم يوم القيامة.