نشأة المدرستين: الأشعرية والماتريدية

ثم برزت من مدرسة الكُلّابيّة، مدرستان أخريتان: أحدهما الأشعرية نسبة إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، المتوفى سنة 324 للهجرة، وكان معتزلياً، ثم رجع عنهم، وتقلد مذهب ابن كلاب، إلا أنه أضاف إليه الكثير من أراءه واجتهاداته الشخصية، وبذلك انشأ لنفسه مذهباً جديداً وكان له أتباع ومقلدين، نشروا مذهبه في بلاد العرب والبربر، ويعرفون بالأشاعرة.

والأخرى الماتريدية، نسبة إلى أبي منصور محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي الأنصاري، المتوفى سنة 333 للهجرة، وهو مثل الأشعري، نقل مذهب ابن كلاب مع شيء من أراءه واجتهاداته، وكان له على ذلك مقلدين وأتباع نشروا مذهبه في بلاد فارس وخرسان وبخارى والترك والسند والهند، ويعرفون بالماتريدية.

وقد خالف أبو منصورالماتريدي الكلابية والأشعرية في إثبات علو الله بذاته على عرشه، فزعم أن الله تعالى بلا مكان مطلقاً، أي: أن الله تعالى ليس في جهة العلو ولا هو في كل مكان.

وقد رجع الأشعرية إلى قول الماتريدي في نفي علو الله، وخالفوا شيخهم أبا الحسن الأشعري، وكان أول من أخذ بقول الماتريدي في نفي العلو من الأشاعرة هو أبو بكر بن فورك الأشعري المتوفة سنة 406 للهجرة.

ثم إن الأشاعرة والماتريدية رجعوا عن أقوال الكلّابية إلى مذهب المعتزلة، ووافقوا المعتزلة في أكثر أقوالهم في صفات الله تعالى، وكان ذلك على يد أبي المعالي الجويني المتوفى سنة 419 للهجرة، وتلميذه أبي حامد الغزالي الصوفي المتوفى سنة 505 للهجرة.

قلت: وجميع هذه الآراء، لا توجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تؤثر عن صحابي أو تابعي، إنما هي كما يزعمون حجج عقلية، وما هي والله إلا ظنون وأوهام ﴿كَسَرَابِۭ بِقِیعَةࣲ یَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡـَٔانُ مَاۤءً حَتَّىٰۤ إِذَا جَاۤءَهُۥ لَمۡ یَجِدۡهُ شَیۡـࣰٔا﴾ [النور ٣٩].

ومع وجود فوارق طفيفة بين المذهب الماتريدي والمذهب الأشعري، إلا أن المذهبان أتحدا، وأصبحا مذهباً واحداً، ففي بلاد الأعاجم يعرفون بالماتريدية، وفي بلاد العرب والبربر والسودان، يعرفون بالأشعرية، لذلك سوف نتحدث عن الأشعرية، للدلالة على اعتقاد الطائفتين.