موقف الأشاعرة من رواة السنة

عندما يكون شخص ما يهوى شيئا ما، فيجد أن هناك شخص أخر يعترض طريقه في إتمام ما يهواه، فإن هذا يعكس حالة من الغضب عند صاحب الهوى، مما يجعله يقف موقفا عدائيا ممن يعترض طريقة، وهذا ما حصل بالضبط من بعض الأشاعرة، إن لم نقل كلهم، والحقيقة أننا لو قلنا كلهم لم نكن مخطئين، فإن كتبهم مشحونة بالتلميح أحيانا وبالتصريح أحيانا أخرى بوصف المحدثين مجرد مجموعة من البلداء البلهاء، الذين لا يحسنون انتقاء الأخبار، فيروون ما هب ودب، ولذلك يورن أنهم هم العلماء الفطاحلة الذي لا يشق لهم غبار، وأنهم قادرون على معرفة الصحيح من هذه الأخبار وضعيفها بمجرد النظر فقط، فعقلوهم التي أبت أن تتفق كما أوضحنا سابقا، بالنسبة لهم عندها القدرة المطلقة على معرفة ما يصح وما لا يصح دون النظر في إسناد الخبر، هكذا بكل بساطة، لكن أبى الله أن يفضح هؤلاء القوم، ويعطينا صورة واضحة وكافية عن ما يحصل في دهاليز الأشعرية، وموقفهم الحقيقي من رواة الحديث، ومن خلال ما سطره أحد كبار علماءهم!

فقد ذكر محمد بن أحمد القرطبي في كتابه التذكرة الذي حشاه بتأويلات الجهمية المعتزلة - وأنا لا أنصح بقراءة هذا الكتاب إلا للرد عليه - ما نصه: وقد كنت تكلمت مع بعض أصحابنا القضاة ممن له علم وبصر ومعنا جماعة من أهل النظر فيما ذكر أبو عمر بن عبدالبر من قوله (الرحمن على العرش استوى) فذكرت له الحديث - أي حديث الجارية - فما كان منه إلا أن بادر إلى عدم صحته ولعن رواته وبين أيدينا رطب نأكله فقلت له: الحديث صحيح خرجه ابن ماجه في السنن ولا ترد الأخبار بمثل هذا القول بل تتأول وتحمل على ما يلي من التأويل اهـ

إذا ومن خلال ما سبق نجد أن علناء الأشاعرة على قسمين:

وقسم متمسك بوصية المريسي وهو ردها بلطف كما هو حال القرطبي

وقسم يبطن العداوة لرواة الحديث لأن الذين روو الحديث غير ابن ماجه، مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده والشافعي في رسالته ومالك في موطأة هؤلاء ملعونون عند هذا الملحد

وانظر إلى وصف القرطبي له، بأنه أحد أصحابه! وبأن له علم وبصر! مع ما قاله عن حديث الجارية ولعنه لرواته! وكيف أن ذاك الأشعري الملحد كذب بالحديث صراحة ورده بعنف لما كان بين أصحابه وإخوانه في دينه بل لعن رواته – وهم أئمة أهل السنة والجماعة والحديث والأثر - بينما في الظاهر، وأمام العامة، يتظاهر بتصديقه ويقول: سبيله التفويض

هذا الملحد الذي لم يجرئ القرطبي على ذكر اسمه تسترا عليه، ربما يكون هو أحد أبرز أعلام الأشاعرة، ومن له كتب مصنفة، ومن يصفه النوكى - ممن ينتسبون إلى مذهب أهل السنة والجماعة - بالإمام والحافظ والعالم وخدم الإسلام والسنة والزاهد التقي النقي الورع الذي لم يكن يبات الليل من كثرة قيامه وبكاءه!

ولو ذكر القرطبي اسمه، لم يغيّر هذا في موقفهم منه شيئا، ولقالوا: أخطأ عفا الله عنه، وكل خطاء، واجتهد وللمجتهد أجر! أجر على ماذا؟! أجر على التكذيب بالوحي وتحريف كلام الله ورسوله وفق علم الفلسفة اليوناني!!

وقد قال الرازي الضال في كتابه المطالب العالية، بعد أن كفر بالأحاديث الواردة في إثبات الصفات، وإقراره بأنها تواترت تواتراً لا يمكنه معه تأويلها، ما نصّه: "والعجب من هؤلاء المحدثين، أنهم يقولون: فلان متهم بالرفض، فلا تقبل روايته، ولم يقل أحد منهم: فلان مصرح بالتشبيه، فكان جاهلا بربه، فوجب أن لا تقبل روايته، لأن الطعن في أبي بكر وعمر، لا يزيد على الطعن في ذات الله تعالى وفي صفاته" اهـ

قلت: فانظر كيف يطعن في رواة السنة، ولعله لم يقرأ في كتب المحدثين أنهم قالوا أيضاً: فلان معطّل، فلا تقبل روايته! ولكنه أخفى قولهم هذا، ليموّه على أصحابه كما جرت عادته في التمويه.

ثم أي صفات أثبتها هذا الجهمي، حتى يقول أن مخالفيه طعنوا فيها، إن كان هو أصلاً، لا يرى أن يوصف الله تعالى إلا بالعلم، ويصف به شيئاً لا يراه موجوداً إلا في خياله فقط!

والطاعن في صفات الله تعالى، هو من يكذّب بما ورد في الكتب والسنة، مما ذكره الله تعالى من صفات كماله ونعوت جلاله، ويصفه بصفات العدم، تعالى الله ربنا عن قول هؤلاء المتكلمين الأفاكين علواً كبيرا.

هذه هي حقيقة موقف الأشاعرة من علماء السنة وأتباعها بل إنهم لا يقرؤون كتب السنة إلا للرد عليها وعلى رأسها كتب الشيخ ابن تيمية التي يحاربونها ليل نهار - مع أن الشيخ كان متساهل معهم بشدة ورفيق بهم بشدة حتى إنه قرر منهج الموازنات في الحكم عليهم مع أن منهج الموازنات كان منهجا مرفوضا من أئمة أهل السنة الذين سبقوه - فهم يصونون تلاميذهم عن قراءة كتب علماءنا حتى يحصنوهم منا وعلماءنا مع الأسف ينشرون كتبهم ويحرضون الناس على قراءتها بزعمهم أن فيها فوائد لا يمكن الاستغناء عنها!