من أين جاء المتكلمون بقولهم أن تعدد الصفات يستلزم تعدد الذوات؟

يزعم المتكلمون وعلى رأسهم إمامهم في الضلالة "الرازي" أن تعدد الصفات يستلزم تعدد الذوات، وبذلك، فلو أثبتنا لله تعالى عدة صفات، فقد أشركنا به في ربوبيته، ولذلك وصف "الرازي" كتاب التوحيد للشيخ ابن خزيمة بكتاب الشرك، لأنه بزعمه أثبت لله تعالى صفات عدّة وبالتالي أثبت الشريك لله تعالى في ربوبيته!

وهم بنو قولهم هذا على ما أسسه لهم أئمتهم ملاحدة الفلاسفة، المنتسبين لمدرسة فيثاغورس، حيث يعتقد تلاميذ هذه المدرسة أن العدد هو جوهر الأشياء، لكنهم يخلطون بين الواحد الحسابي والواحد الهندسي، الذي هو النقطة، فيعطون الواحد الهندسي، قيمة الواحد الحسابي! 

وهذا خطأ استدركه عليهم المهندسون، لأن المهندسون يفرقون بين بين الواحد الحسابي الذي هو وحدة العدد والنقطة التي هي وحدة الهندسة، فالواحد الحسابي، وجوده وجود حقيقي، لذلك له قيمة، بينما الواحد الهندسي، ليس له وجود حقيقي، وإنما فرض فرضاً، فهو لا قيمة له.

فعندما نرسم رقم واحد، فإنما نعبر عنه بالرقم واحد، ولكن هذا الرسم، مكون من نقاط، يتشكل منها رسم الرقم واحد، لكن لو أضفنا إلى ذات الرسم عشرات أو مئات أو ألوف النقاط، فإن الرسم سوف يبقى واحداً، ولن يتجزأ أبداً.

والسبب في ذلك: أن النقطة ليس لها وجود حقيقي، وإنما وجود ذهني، أي: يتم تخيّلها في الأذهان، لذلك تستطيع أن تفترض للشيء ما تشاء من النقط، ولو كان للنقطة وجود حقيقي، لما استطعت ذلك، كما أنك لا تستطيع أن تفترض للأعداد الحقيقية ما تشاء من عدد، فإذا كان المعدود خمسة، فلن تستطيع أن تزيد إليهم شيئاً من مخيلتك.

مثال أخر: لو كان لديك حبل واحد، فهو واحد حسابياً، لكن لو أضفت له عشرات النقاط أو مئات أو ألوف النقاط، فسوف يبقى الحبل واحدا، وإن ازداد طولاً، ولكنه لن يتجزأ ليشكل زيادة في عدد الحبال لديك!

مثال أخر: الشجرة، لها صفات عدة، لها جذور وساق وأغصان وأوراق وثمار، وهي بمجموع صفاتها شجرة واحدة فقط، ولا يعقل أن يقال بأن تعدد صفاتها، جعل منها عِدّة أشجار، فلا يجوز عقلاً أن يقال عن الجذور وحدها بأنها شجرة، ولا يقال عن الساق وحدها بأنها شجرة، ولا يقال عن الغصن وحده بأنه شجرة، ولا يقال عن الورقة وحدها بأنها شجرة، ولا يقال عن الثمرة وحدها بأنها شجرة، إنما هذه الصفات بمجموعها تكوّن شجرة واحدة حسابيّاً، ولكن عند الفيثاغوريين وتلاميذهم من الأشاعرة والمعتزلة يجوز ذلك، بل هو الحق عندهم، وهذا جنون! فيعطون الجذر واحد حسابي، أي: نقطة، والساق كذلك والغصن كذلك .. الخ. ثم يدعون أن كل جزء في الشجرة، هو شجرة قائمة بذاتها، وهذا شيء يسير من تخلّفهم وقلّة عقولهم!

فعندما نقول 1+1 فإن النتيجة تكون 2 . لكن لو ألغينا الواحد، ووضعنا بدلاً منه نقطه، فنقول: نقطة + 1 فإن النتيجة سوف تكون 1 .

فالمتكلمون أخذوا هذا الخطأ عن الفيثاغوريين، وطبقوه على صفات الله تعالى، وشبهوا صفات الله تعالى بالواحد الهندسي، والله تعالى بالواحد العددي، فأعطوا صفات الله تعالى قيمة عددية كما هو حال الواحد الهندسي عندهم، وبالتالي صار إثبات الصفات عندهم، يستلزم إثبات تعدد الأرباب، كما هو الحال في مثال الشجرة، الذي ضربته سابقاً!

وهذا من زيغهم وضلالهم، وبعدهم عن هدي الكتاب والسنة، بل وبعدهم عن العقل والمنطق السليم، وأنهم إنما يتبعون فلاسفة الإغريق، لما جبلوا عليه من الزيغ والضلال والبعد عن الحق.

فإثبات صفات الله تعالى لا يعني إثبات تعدد الذوات، وبالتالي لا يعني إثبات تعدد الأرباب، لأن جميع الصفات، ما هي إلا شيء من ذات الله الواحدة، التي لا ثاني لها.