التوحيد ثلاثة أقسام:
القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو الإيمان بتفرد الله تبارك وتعالى بالملك والخلق والأمر.
والقسام الثاني: توحيد الألوهية، وهو الإيمان بأن الله تعالى هو المستحق للعبادة دون سائر خلقه.
والقسم الثالث: توحيد الصفات، وهو الإيمان بصفات الله تعالى الواردة في الكتاب والسنة، على ما تعرفه العرب من كلامها، ثم الإيمان بتفرد الله تبارك وتعالى بكمال تلك الصفات، وأنه لا مثيل له في كمالها.
أما الأشاعرة والمعتزلة فلا يقرون إلا بتفرد الله تعالى بالملك والخلق فقط! بينما يزعمون أن لله تعالى شركاء في أمره وألوهيته، فيزعمون أن الأنبياء والأولياء، أمرهم نافذ في هذا الكون، وتدبيرهم يسري على كل جزء منه، ولذلك يزعمون أن الأنبياء والأولياء يملكون النفع والضر، بدعوى أن لهم عند الله منزلة عظيمة، تمنعه – تعالى وتقدس – من أن يرد لهم شفاعة، أو ينقض لهم أمرا، لذلك يجيزون إشراك الأنبياء والأولياء مع الله في ألوهيته، بإجازتهم لدعاء الأنبياء والأولياء من دون الله تعالى، ويزعمون أنهم وسائل ووسطاء وشفعاء لهم عند الله، وهذه العقيدة هي عين عقيدة مشركي العرب قبل الإسلام، لم يخرموا منها شيئا، سوى أن مشركي العرب قبل الإسلام يتوسعون أكثر في تحديد هذه الوسائل، فقد كانوا يصرفونها أيضا للملائكة والأصنام والأوثان.
فلما قيل لهم: أن هذا هو ما وقع فيه مشركوا العرب قبل الإسلام، وهو تشابه واضح جلي، عمدوا إلى الحيلة لنصرة دينهم، فقالوا: أن صرف الدعاء والاستغاثة لغير الله تعالى، لا يكون عبادة، بل يقول بعضهم: أنه لا يشتبه بالعبادة أصلا! إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية والألوهية فيمن دعي واستغيث به من دون الله! وهذا مكر منهم لا يحيق إلا بهم، فإن الخمر سوف يبقى خمرا وإن أسميته بغير اسمه، والسرقة سوف تبقى سرقة وإن أسميتها بغير اسمها، وكذا العبودية سوف تبقى عبودية وإن اسميتها بغير اسمها.
والله تبارك وتعالى أخبرنا بأن اليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى مع أنهم لم يقولوا عنهم بأنهم أربابا، ولكن مجرد الفعل الذي وقع منهم، وهو طاعة أحبارهم ورهبانهم فيما خالف أمر الله تعالى، كان هذا كافيا للحكم عليهم بأنهم أتخذوهم أربابا، فكذلك من دعا الأنبياء والأولياء من دون الله تعالى، واستغاث بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فهو ممن اتخذهم آلهة، وإن لم يصفهم بالألوهية.
إلا أن بعض الأشعرية، وهم قلّة، شذ عن هذه القاعدة، وأقر بتوحيد الربوبية والألوهية كاملا، وإن كان لا يزال منحرفا، في باب توحيد الصفات.