فكما أنهم خالفوا القرآن والسنّة، فقد خالفوا العقل أيضاً، إذ وصفوا الله تعالى بصفات العدم، ثم قالوا هذا تنزيه، وما التنزيه أرادوا والله، وإنما أرادوا متابعة أئمتهم ملاحدة فلاسفة الإغريق، واستتروا بالتنزيه، ليُحْسِن الناس بهم الظنّ، وإلّا فقولهم تنقص لله تعالى، بوصفه بصفات العدم، فإن نفي الصفة وضدّها، هو وصف للعدم، فخالفوا العقل بجعلهم صفات النقص صفات كمال، وخالفوا النقل بتكذيبهم ما تضمنته ظواهر النصوص الشرعية من إثبات تعدد صفات الله سبحانه وتعالى.
فمن ذلك أيضاً ادعاءهم أن الله بلا مكان ولا زمان، وقد علم بالعقل أن ما لا مكان له ولا زمان هو في الحقيقة عدم، هذا بالعقل الذي يتظاهرون بالاحتجاج به، وهو بريء منهم.
أما في الشرع فقد أثبت الله تعالى لنفسه المكان والزمان، فقال تعالى: (الرحمن على العرش استوى) وأثبت الزمان فقال (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) فالله تعالى خلق الأمكنة واصطفى له منها مكان، وخلق الأزمنة، وقدّر له منها زمان، فهو يفعل ما يشاء، لأنه على كل شيء قدير.
وقد بيّنت صفات الله تعالى التي جحدها هؤلاء الضلّال بالأدلة القاطعة من الكتاب والسنة واللغة والعقل في كتابي: معاني صفات الله تعالى.
وكذلك قول الأشاعرة أن الله يرى يوم القيامة، ثم يقولون: يرى بلا جهة ولا صورة، وقد علم من لديه ذرة من عقل، أن ما لا جهة له ولا صورة له، هو في الحقيقة لا يرى.
وكذلك قولهم بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل به ولا منفصل عنه ولا متحرك ولا ساكن، فهذا الكلام الذي يرفضه العقل السليم، تتنزه المجانين عن التلفظ به أو بمثله.
ومن رأى حال هؤلاء القوم، وماهم فيه من الحيرة والأمر المريج، لا يسعه إلا أن يحمد الله تعالى على أن عافاه مما ابتلاهم به.
ولذلك كان فردريك نيتشه الفيلسوف الألماني يعلن في كتابه نشأة الفلسفة في فترة المأساة الإغريقية، أنه بناء على تصورات فلاسفة الإغريق للإله، فإن الإله قد مات!
ولذلك نجد أن الشرك وعبادة المخلوقات انتشرت بين الأشاعرة والمعتزلة، لأن الإله ليس حاضراً في معتقدهم، كما سوف أبيّن إن شاء الله تعالى.