تكفير الاشاعرة والمعتزلة لمن خالفهم في دينهم

سبق أن علمنا سابقا أن الأشاعرة والمعتزلة لم يأخذوا دينهم عن القرآن ولا عن السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أخذوا معتقدهم من ملاحدة اليونان، وزعموا أن ما هم عليه هو الإسلام، الذي لا يقبل الله ديناً غيره، حتى أن بعضهم زعم أن من لم يعرف الله تعالى من خلال النظر، فليس بمسلم، فكفروا آباءهم وأقاربهم وجميع المسلمين، عالمهم وعاميهم ممن لم ينظر في أدلة وجود الله تبارك وتعالى، التي هي معلومة بالفطر، ولا يشك فيها إلا مكابر معاند!

فواعجبي منهم يخالفون القرآن والسنة، ويزعمون أنها ليست بهدى ولا حجة، وأن الأخذ بظاهرها كفر، ويقرون بأن دينهم إنما أخذوه بالحجج العقلية، وأن ما استنتجوه بعقولهم المتضاربة المتخبطة هو الإسلام، ثم يكفرونك إذا خالفتهم في ذلك.

ولذلك لا تعجب عندما أقول لك أن المتكلمين كانوا يكفرون بعضهم بعضا، فالمعتزلة كانوا يكفرون الأشاعرة والماتريدية، والأشاعرة والماتريدية يكفرون المعتزلة، ثم الأشاعرة يكفرون الماتريدية، والماتريدية يكفرون الأشاعرة، وكل طائفة تزعم أن حججها العقلية هي الصحيحة، وأن الآخرين خالفوا العقل وحججه!

ثم هم جميعا يكفرون من أخذ بالقرآن والسنة، وترك حججهم العقلية! فوالله الذي لا إله إلا هو ما رأيت أسخف عقولا من هؤلاء، ولا أبلد ذهناً، ولا أصفق وجهاً، ولا اجرأ على الله منهم!

وأنا أسوق الآن شيئا من فتاويهم في تكفير أهل القرآن والسنة.

قال أبو إسحق الشيرازي المتوفى سنة 476هـ في كتابه اللمع ما نصه: "فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبي الحسن الاشعري رضي الله عنه فهو كافر ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافرا بتكفيره لهم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما".

قلت: فانظروا إلى هذا الجاهل، يُكفِّر مخالفيه لأنهم لم يلتزموا برأي شيخه الذي يرتضيه، مع أن ما قاله شيخه مجرد رأي، لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، بل الكتاب والسنة بخلافه، والأصح أن يقال أن من خالف الكتاب والسنة فهو الكافر، لأنه يكذب بصريح الوحيين، ولكنه يراها أحاديث آحاد، لا توجب علماً ولا تفيد سوى الظن، ولال تعطي سوى الشك والحيرة، ثم نجده يحديث: "ما كفر رجل رجلا إلا باء به أحدهما" وهو خبر آحاد، فقبح الله أدمغة حوتها رؤوسهم البلهاء!

وقال أبو المعين النسفي الحنفي الماتريدي المتوفى سنة 508هـ في كتابه تبصرة الأدلة: "والله تعالى نفى المماثلة بين ذاته وبين غيره من الأشياء، فيكون القول بإثبات المكان له ردًّا لهذا النص المحكم، أي قوله تعالى :(ليس كمثله شىء) الذي لا احتمال فيه لوَجْهٍ ما سوى ظاهره، ورادُّ النص كافر، عصمنا الله عن ذلك" اهـ

قلت: انظر كيف أنه جعل من قوله تعالى: "ليس كمثله شيء" دليل على نفي الصفات مطلقا، وهذا كما قلت سابقا مجرد حيلة يحتالون بها، وإلا فهم يعلمون أن هذه الآية ليس لهم فيها حجة، ولكنهم لم يجدوا غيرها ليتشبثوا بها، ويتظاهرون بأن دينهم موافق للقرآن، وعلى حسب قوله، فإن العرب إذا قالوا "فلان ليس كمثله أحد" هذا يستلزم أنه لا يتشابه معهم في شي ءالبتّة، فليس له وجه ولا يدان ولا رجلان ولا عينان ولا شيء من ذلك، وهذا أمرعجيب!!

وقال أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 852هـ في كتابه الذي أسماه فتح الباري، وهو والله فتح إبليس الرجيم والله بريء منه، قال: "ولو قال من ينسب إلى التجسيم من اليهود: لا إله إلا الذي في السماء، لم يكن مؤمنا كذلك، إلا إن كان عاميا لا يفقه معنى التجسيم، فيكتفى منه بذلك كما في قصة الجارية".

وقال ابن نُجَيْم الحنفي الماتريدي المتوفى سنة 970هـ في كتابه البحر الرائق، باب أحكام المرتدين: "ويكفربإثبات المكان لله تعالى، فإن قال: الله في السماء، فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر، وإن أراد المكان كفر".

قلت: فوالله لا أعلم حقيقة ما معنى قوله " فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر" ؟ وهل ظاهر الأخبار إلا أن الله بذاته فوق عرشه فوق سماواته وأن عرشه هو مكانه الذي اصطفاه لنفسه، وقد ذكرت في كتابي: صفات الله عز وجل بفهم العرب الأميين الذين نزل الوحيان بلغتهم، الكثير من الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين وائمة السنة المرضيين، أهل الحديث، في إثبات علو الله تعالى واستواءه جالساً وقاعداً على عرشه، فكل هؤلاء عند هذا الجاهل كفّار، وعلى رأسهم صاحب الشريعة، صلى الله عليه وسلم.

وقال أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي الأشعري المتوفى سنة 974هـ في كتابه المنهج القويم، وهو والله المنهج المنحرف: "واعلم أن القَرَافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك" اهـ

قلت: هذه كتب ورسائل الإمام أحمد رضي الله عنه، وأصحابه، طافحة بالرد على نفاة العلو، وكلامهم في ذلك أشهر من أن يحاول هذا الفاجر التعتيم عليه، وكذلك أقوال الأئمة الثلاثة وأصحابهم، طافحة بإثبات العلو وما يلزم ذلك من اثبات الجهة مستفيضة في الكتب التي عنيت بنقل أقوال السلف ومذاهبهم، وقد ذكرت ذلك في كتابي: الصفات، بل وثبت عن أبي حنيفة النعمان، أنه كفّر من أنكر علو الله بذاته على عرشه، في كتابه الفقه الأبسط، الذي رواه عنه أبو مطيع البلخي. والروايات التي نسبت إلى الإمام أحمد والشافعي في تكفير المجسمة ثبت أنها موضوعة، لا أصل لها ولا سند.

 وعليه فنقل القرافي وتقليد الهيتمي له عن الأئمة تكفيرهم من قال بالعلو كذبة باردة، يهزئ منها كل من عرف منهج أولئك الأئمة.

وقال ملاّ علي القاري الحنفي الماتريدي المتوفى سنة 1014هـ في كتابه مرقاة المفاتيح: "بل قال جمع منهم - أي: من السلف بزعمه - ومن الخلف إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي، وقال: إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني" اهـ.

قلت: وهذا الهذيان أشبه بالذي قبله ، فالمشهور عن أبي الحسن الأشعري في (الإبانة) الذي أثبته له كبار أصحابه قوله بإثبات العلو وكذلك الباقلاني مع أشعريته، إلا أنه ممن يثبت العلو.

وقال عبد الغني النابلسي الحنفي الماتريدي المتوفى سنة 1143هـ في كتابه الفتح الرباني والفيض الرحماني، وهو والله الفتح الشيطاني والفيض الإلحادي ما نصه :"وأما أقسام الكفر فهي بحسب الشرع ثلاثة أقسام ترجع جميع أنواع الكفر إليها، وهي: التشبيه، والتعطيل، والتكذيب... وأما التشبيه: فهو الاعتقاد بأن الله تعالى يشبه شيئًا من خلقه، كالذين يعتقدون أن الله تعالى جسمٌ فوق العرش، أو يعتقدون أن له يدَين بمعنى الجارحتين، وأن له الصورة الفلانية أو على الكيفية الفلانية، أو أنه نور يتصوره العقل، أو أنه في السماء، أو في جهة من الجهات الست ...." اهـ

وقال الكوثري كبير الجهمية المتوفى سنة 1371 هـ : "إن القول بإثبات الجهة له تعالى كفر عند الأئمة الأربعة هداة الأمة كما نقل عنهم العراقي على ما في"شرح المشكاة" لعلي القاري" اهـ

قلت: فانظروا كيف أنهم دائما يسندون هذه الفتاوى إلى الأئمة الأربعة، بينما لا يأتون بنقل واحد صحيح عن الأئمة الأربعة في تكفير من نسب لله تعالى الحيز والجهة والمكان، وهذا من تلبيسهم وتمويههم، بينما سوف ترون كيف أننا سوف نأتي بالنقول عن السلف وعن الأئمة الأربعة في تكفيرهم، وإخراجهم من الملة إن شاء الله تعالى.

وأحسن الأشعرية حالا من حكى الخلاف في تكفيرهم ولم يقطع في الحكم عليهم بشيء، كما فعل أحمد بن عمر القرطبي في كتابه المفهم لما استشكل من تلخيص مسلم، ونقله عنه تلميذه محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره الذي أسماه الجامع لأحكام القرآن.

حيث ذكر أحمد بن عمر القرطبي في الحكم عليهم من قبل علماء مذهبه أنهم اختلفوا فيهم على أربعة أقوال:

الأول: أنهم كفاروأنهم يقتلون من غير استتابة.

والثاني: أنهم كفار، وأنه لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور، ولكن يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا.

والثالث: الأدب البليغ كما أدب عمر بن الخطاب صبيغ بن عسل!

هذا مختصر ما ذكره القرطبي.

وزعم القرطبي أن مثبتي الصفات ممن يبحثون عن متشابه القرآن، ووصفه لهم بالمجسمة.

وقال أحمد بن محمد بن حجر الهيتمي، المتوفى سنة 973هـ في كتابه الإعلام بقواطع الإسلام، وهو الإعلام بقواطع الإلحاد، قال: "لو قال الله في السماء فقيل يكفر وقيل لا يكفر".

فانظروا يا أيها العقلاء كيف أنهم مقرون بمخالفة القرآن، وتكذيب السنة، وأن دينهم الذي جاءوا به إنما هو من فلسفة الفلاسفة وتخرصات عقولهم، ثم يكفرون من يخالفهم في عدم الإقرار بها!!

وتذكر قول العز بن عبد السلام الأشعري وغيره من الأشاعرة، أن العوام ينزعون إلى الإثبات، أخذين بظواهر الآيات والأحاديث النبوية، مما ظهر من معانيها التي تعرفه العرب من كلامها، وقارنه بقول أحمد بن عمر القرطبي فيما نقله عن أهل ملته، من أن مثبت الصفات مجسم وأن المجسم يعبد صنما سماويا وعلى هذا فجميع العوام مجسمة يعبدون صنماً سماويا! 

وانظر إلى قوله "لا فرق بينه وبين عابد الصور والأصنام" فهو جعل من يعبد رباً حيا قديرا عالما حكيما متحلياً بجميع صفات الكمال، كمن يعبد صنماً، فهؤلاء لقلة عقولهم، لا يستطيعوزن التفريق بين الحيّ والصنم، ثم يقول: هذا هو العقل والصواب والحكمة، بينما السلف كانوا يقولون: من يزعم أن الله لا يتكلم بصوت فهو يعبد صنماً، لأن الأصنام من صفاتها أنها بكماء، وبهذا احتج إبراهيم الخليل عليه السلام على قومه في عبادتهم لأصنام لا تنطق! ولكن هؤلاء الأشاعرة غافلون عن آيات الله تعالى، بل يدرون ولكنهم معرضون، لأنهم اشربوا في قلوبهم حب الفلسفة الإغريقية، فلا يرون ولا يسمعون ولا يؤمنون إلا بما صدر عنها ومنها!! 

وانظر إلى قول القرطبي عندما زعم أن آيات الصفات من المتشابه، وأن من أثبت الصفات فهو مجسم، وأنه ممن يبحث عن متشابه القرآن بغيت تحريفه "هكذا يزعم" وأن حاله مثل حال صبيغ، الذي كان يبحث عن متشابه القرآن.

وكذب أحمد بن عمر القرطبي، فإن آيات الصفات ليست من المتشابه في شيء، وهل من المتشابه قوله تعالى: "وجاء ربك والملك صفا صفا"؟! أنت أيه القارئ الحكم في هذا، فلو جاءك أحدهم وقال: جاء زيد من السوق. هل سوف تقول: جاء أمره! هذا كلام فارغ، لا يتبادر إلى ذهن العربي مطلقاً، فكيف يزعمون أن قوله تعالى "وجاء ربك" أنه جاء أمره؟! بل ولا حتى العجمي الذي ترجم القرآن بلغته يفهم مثل هذا الفهم السقيم، وقس على هذا جميع آيات الصفات، وقد نقلنا سابقا قول أئمة الأشعرية في أن ظواهر القرآن تفيد إثبات الصفات، لذلك ينصون على أن القرآن ليس هدى في معرفة الله وصفاته، وأن الأحاديث التي وردت في هذا الباب يجب أن ترد وتكذب، فتبين من ذلك أن من يبحث عن المتشابه، ويعبث بمعاني القرآن الكريم، ويحرف معانيه، ويعمل عمل صبيغ ليس من أجرى هذه الآيات على ظواهرها، وفهم من معانيها ما تفهم العرب من معاني كلامها، وأساليبهم في الخطاب، بل هو من تحايل على النص، وزعم أن ظاهره غير مراد، وأنه يجب أن يفوض مع اعتقاد أن الله لا يتصف بشيء من هذه الصفات، أو يتأولها على غير ما ظهر من معانيها، ونكرر السؤال مجدداً: من الذي ألقى في روع الأشاعرة والمعتزلة أن الله لا يتصف بالصفات التي وصف بها نفسه ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم؟! إن قالوا القرآن. قلنا: كذبتم هذا القرآن ظاهره يرد عليكم وبشهادة علماءكم، وإن قالوا السنة، قلنا: كذبتم هذه السنة مليئة بالأخبار التي تنقض دينكم، وأنتم تشهدون على ذلك، فمن أين جئتم بهذا الدين، ومن أين جئتم بأن آيات الصفات من المتشابه؟ ومن ألقى في روعكم الإلحاد في صفات الله تعالى؟

وانظر أيضا إلى كذب أحمد بن عمر القرطبي عندما قال بأن مذهب السلف هو ترك التعرض لتأويلها – وهذا حق – ولكنه زاد من كيسه قوله "مع قطعهم باستحالة ظواهرها" وكذب، وكذب كل من يقول بقوله، هذه كتب أئمة السلف أحمد والشافعي ومالك وطبقتهم من علماء السنة والحديث والأثر كلهم مجمعون على إثبات الصفات وأن الله فوق سماواته فوق عرشه بائن من خلقه، بحد يحد بينه وبينهم، ودونوا ذلك في كتبهم، وبوبوا لها الأبواب في سننهم، وأن الله يتلكم بصوت يسمع، وبهذا جاء القرآن وجاءت الأحاديث والآثار.

وأحمد بن عمر القرطبي وتلميذه محمد بن أحمد القرطبي كلاهما محدثان ويعلمان هذا جيداً، ثم يأتي من يقول بكل وقاحة: أنهما معذوران لتفشي الجهل وغلبة البدع والخطأ والنسيان والتأويل وحسن النية والقصد إلى أخر هذه الأعذار التي لا تسمن ولا تغني من جوع.