عقيدة المعتزلة في صفات الله تعالى

تتضمن عقيدة المعتزلة في صفات الله تعالى، أن الله تعالى لا يتصف بأي صفة، فليس بحيّ ولا قوي ولا قادر ولا يسمع ولا يبصر ولا يتكلم ولا مريد ولا شاءٍ ولا عليم، ولا غير ذلك.

وأن جميع صفات الله تعالى التي وصف نفسها بها في كتابه، أو وصفه بها نبيّه في سنّته، مخلوقات لله تعالى كسائر مخلوقاته، وأن نسبة هذه الأوصاف إلى الله تعالى، هي كنسبة باقي المخلوقات لله تعالى، كما نقول: أرض الله، وناقة الله، ونحو ذلك!

فلا يفرّقون في اللغة بين ما هو صفة للشيء، وما هو ملكٌ للشيء، فجعلوا الكل عندهم مملوكات لله تعالى!

فإذا سئل عن صفات الله تعالى قال: هو حيٌّ بلا حياة، قوي بلا قوة قدير بلا قدرة سميع بلا سمع بصير بلا بصر متكلم بلا كلام عليم بلا علم مريد بلا إرادة شاءٍ بلا مشيئة.. إلخ.

كل صفة يثبتونها وينفونها في نفس الوقت، على مثل ما قدمت.

وبما أنهم يزعمون أن كلام الله وعلمه مخلوقان، فبالتالي يعتقدون أن القرآن الكريم مخلوق، لأن القرآن هو كلام الله وعلمه، فإذا كانا مخلوقان، فهو بالتالي مخلوق.

كما يتأولون صفة اليد في القرآن والسنة، بالنعمة أو بالقوّة، ويتأولون صفتي السمع والبصر بالعلم. فيخلطون بين معاني الكلمات خلطاً شنيعاً. فإذا لم يجدوا للكلمة معنىً لا يتعارض مع عقيدتهم، ابتدعوا للكلمة معنىً من عندهم، كتأويلهم للاستواء بالاستيلاء والغلبة والقهر!

كما قرّروا أن الله تعالى بلا زمان ولا مكان.

ثم اختلفوا في مكان الله تعالى، فقالت طائفة منهم: هو في كلّ مكان. وقالت طائفة أخرى: لا يعرف لله مكان، فليس داخل العالم ولا خارجه ولا متّصل به ولا منفصل عنه ولا يمينه ولا شماله ولا فوقه ولا تحته، وباختصار ليس لله عندهم وجود حقيقي.

ولذلك تقرّر هاتين الطائفتين، بأن الله ليس لذاته حدّ.

وبالتالي ينكرون أن لله تعالى جهة وحيّزاً، وبالتالي ينكرون علوّه بذاته على خلقه، ويتأولون علوّه في القرآن بعلو القهر والغلبة والسلطان فقط!

كما يتأولون الاستواء، في قوله تعالى: ﴿ٱلرَّحۡمَـٰنُ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ ٱسۡتَوَىٰ﴾ [طه ٥] باستولى وغلب وقهر، مع أن هذا ليس من معاني كلمة استوى في لغة العرب، إنما هو معنىً وضعه المعتزلة، قال أبو العباس ثعلب في مجالس ثعلب: "وقالت المعتزلة استوى استولى". ليؤكد على أن تأويل استوى باستولى من خاص قول المعتزلة، ومن وضعهم.

ومن هنا نشأت عقيدة الحلول والاتحاد، أي: أن الله تعالى وتقدس حال ومتّحدٌ في خلقه، لأنه ما لا حدّ له، سوف يحل ويتحد في كل شيء.

وعلى أنقاض عقيدة الحلول والاتحاد، نشأت عقيدة وحدة الوجود أو ما يسمى بوحدة الشهود، أي: أن الله والوجود المشاهد، شيء واحد، غير منفصل، فالخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، فلا يوجد في الوجود إلّا الله تعالى وتقدس، وهي العقيدة التي يتبناها أكثر الطرق الصوفية المنتسبة زوراً إلى الإسلام، والإسلام منهم براء.

كما يعتقدون بأن الله تعالى لا تعتريه الانفعالات النفسيّة، أي: لا يشعر ولا يحسّ، فلا يغضب ولا يرضى، وليست الرحمة من صفاته، وغضبه ورضاه ورحمته يفسرونها بالإرادة، فيقولون: غضب الله معناه: إرادة العذاب، ورحمة الله معناه: إرادة النعيم. وهكذا.

وأنه لا يفعل شيئاً وليس الفعل من صفاته. بل الأفعال خلق من مخلوقاته وإن أضيفت إليه.

فكيف خلق الله الخلق حسب معتقد المعتزلة؟ يقولون: بأنه فاض منه فيض تخلّقت منه كلمة كن، وأعطى كلمة كن القوة والقدرة على خلق جميع المخلوقات، أو يقولون: بأن جميع المخلوقات تخلّقت بفيض فاض منه، دون الحاجة إلى الوسيط، وهي كلمة كنّ.

وبما أنه لا يفعل شيئاً وليس الفعل من صفاته، فبالتالي هو لا يتحرّك، فإذا قيل لهم: فهل هو ساكن؟ قالوا: وليس بساكن، فعندهم الله لا يتحرك وليس بساكن، كما جرت عليه عادتهم في نفي الصفة وضدّها، وهذه كما قدّمنا صفة العدم!

ويروى أن الجهم بن صفوان كان يحدّث الناس ويدعوهم إلى مقالته، فأتى عليه أعرابي والناس مجتمعون يسمعون من الجهم، فاستمع الأعرابي إلى مقالته، فأنكر ما يقول، وأنشد قائلاً:

ألا إنَّ جهماً كافرٌ بان كُفرُهُ

  ومَن قال يومًا قول جَهمٍ فقد كفرْ

لقد جُنَّ جَهمٌ إذ يُسمِّي إلههُ

  سميعًا بلا سمعٍ بصيرًا بِلا بَصَر

عليما بلا عِلمٍ رضِيًّا بلا رضى

لطيفًا بلا لُطفٍ خبيرًا بلا خَبر

أيُرضيكَ أن لو قال يا جهمُ قائلٌ

أبوك امرؤٌ حرٌّ خطيرٌ بلا خَطر

مليحٌ بلا مُلحٍ بهِيٌّ بلا بهى

  طويلٌ بلا طولٍ يُخالفُه القِصَر

حليمٌ بلا حلمٍ وفِيٌّ بلا وفى

 فبالعقلِ موصوفٌ وبالجهلِ مُشتَهَر

جوادٌ بلا جودٍ قويٌّ بلا قوى

كبيرٌ بلا كُبرٍ صغيرٌ بلاصِغَر

أمدحًا تُراهُ أم هِجاءً وسُبةً

وهزءًا كفاك الله يا أحمقَ البَشَر

فإنَّكَ شيطانٌ بُعِثتَ لِأُمَّةٍ

    تُصَيِّرُهم عما قريبٍ إلى سَقَر

فلما سمع الناس هذه الأبيات رجع كثيرٌ منهم عن مقالته.

رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.