يوافق الأشاعرة المعتزلة في جميع ما يعتقدونه في صفات ربهم إلّا أنهم يخالفونهم في إثبات بعض الصفات.
فهم يثبتون سبع صفات، وهي: الحياة، العلم، الإرادة، القدرة، الكلام، السمع والبصر.
كما يثبتون لوازم هذه الصفات، وهي: أن الله حيٌ بحياة، ويلزم من ذلك إثبات أن الله موجود، عليم بعلم، مريد بإرادة، قدير بقدرة، متكلم بكلام، سميع بسمع، بصير ببصر.
إلّا أنهم مجمعون على أن الله لا يعرف له مكان، فليس داخل العالم ولا خارجه، ولا متّصل به ولا منفصل عنه، ولا يمينه ولا شماله، ولا فوقه ولا تحته.
فالأشاعرة بهذا، يأخذون بأحد قولي المعتزلة، فيما يخص مسألة المكان.
وفي الوقت الذي يتاول المعتزلة فيه استواء الله بالاستيلاء نجد الأشاعرة يتأولونه بالغلبة والقهر، مع أن هذا ليس من معاني الاستواء في لغة العرب! وبعضهم يتأول الاستواء في الآية، بأنه فعل خلقه الله تعالى أسماه الاستواء على العرش!
وهم لا يثبتون هذه الصفات السبع لأن الأدلة الشرعية من القرآن والسنة تدلّ على إثباتها، بل أثبتوها بزعمهم أن الحجج العقلية "زعموا" تدل على وجوب إثباتها!
ولا عجب في ذلك، فهم أصلا لا يرون في القرآن العظيم ولا السنة النبوية المطهرة حجة ولا هدى ولا تفيد عندهم العلم اليقيني، ولا تعطي الطمأنينة واليقين، بل تفيد الجهل والحيرة والشك!
ومع ذلك فهم يكذبون، لأنهم في الحقيقة لا يثبتون من هذه السبع صفات سوى ثلاث صفات:
الأولى: العلم، وهذه يثبتون كمالها لله تعالى، وهم في ذلك لا يتبعون قرآناً ولا سنة، بل يتبعون قول أئمتهم ملاحدة الإغريق، الذين يسمون الله "العقل الأول" والذي يعتبره الفلاسفة قد أحاط بكل شيء علماً، ومنه تستمد الكائنات علمها!
الثانية: الإرادة، وهم يثبتون أنه مريد لكل ما يريده إلا في أمرين: العلم والكلام النفسي، فهاتان الصفتان بزعمهم تقع بغير إرادة منه، فإرادة الله عندهم ليست كاملة تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا!
الثالثة: القدرة، وأما هذه الصفة، فهم فيها على قسمين:
قسم يزعمون أن الله تعالى لا يقدر إلا على أمرين:
الأول: خلق كلمة كنّ، وهو عندهم يخلقها بغير فعل أو حركة منه، بل يعتقدون أن كلمة كن أنبعثت من كلام الله - الذي هو عندهم ليس صوتاً ولا حروفاً، ولا يتعاقب .. الخ هذا الهذيان - بطريقة هم يجهلونها، وبإرادة من الله تعالى.
والثاني: منح كلمة كنّ، القدرة المطلقة على الخلق والتدبير.
فالله تعالى وتقدس عن قولهم، لا يقدر إلا على خلق كلمة كنّ، ومنح كلمة كنّ القدرة، التي لا يمتلك منها هو - حسب زعمهم الكاذب - سوى أن يمنحها !
فهو لا يخلق ولا يدبر، بل كلمة كنّ هي التي تخلق وتدبر بإرادة منه.
والقسم الثاني وهم الذين يقولون بأن الله يخلق الخلق بدون وسيط "وهي كلمة كن" ولكن عندما يريد أن يخلق لا يفعل شيئاً، بل يفيض منه فيض يتخلق منه خلقه بحسب إرادته، وهذا عين قول الفلاسفة الإغريق، وهؤلاء مثل القسم الأول، يثبتون قدرة ناقصة لله تعالى فهو عاجز تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، فهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم بصوت ولا يتحرك،وهو مفتقر دائما لمخلوقاته كما يزعمون. ولا يختلفون مع القسم الأول إلا حول تعريفهم لكمة كن.
وأما باقي الصفات السبع فهم في الحقيقة لا يثبتونها.
فالكلام لا يثبتونه، حيث يزعمون أن كلام الله ليس سوى حديث نفس، وحديث النفس عند العرب ليس كلاماً، ولا يكون الكلام كلاماً حتى يكون بصوت، ثم هو بلا حرف، ولا يتعاقب، بل هو أشبه ما يكون بالدويّ المتصل منذ الأزل وإلى الأبد، وتذكروا أنها ليست صوتاً ولا حرفاً ولا تتعاقب، وهذه الصيغة لا توجد في كتاب ولا سنة، وإنما أفرزتها حججهم العقلية "زعموا"!
والسمع والبصر، يتأولونها بأنها العلم، بل حتى من زعم أنه يثبتها على حقيقتها، فسرها بخصائص العلم، حيث يزعمون أن العلم والسمع والبصر، صفات ذاتية أزلية يحصل بها انكشاف الأشياء، وغاية ما هنالك، أنه يحصل بالسمع والبصر انكشاف أقوى من العلم، إذاً لا يعدو الامر عند الأشاعرة أن يكون إلا انكشافاً أقوى من انكشاف، إذاً الله عندهم لا يسمع الأصوات، ولا يرى المرئيات.
وإذا كان الله تعالى لا يتكلم بصوت ولا يسمع الأصوات، ولا يبصر الصور والمرئيات، فهذا يعني أنه أبكم أصم أعمى، تعالى الله علواً كبيراً، فحتى يخرجوا من هذا المأزق، ويحسّنوا صورة مذهبهم، قالوا بقول إخوتهم المعتزلة، بأن الله لا يوصف إلّا بصفات السلوب، أي: تنفى عنه الصفة وضدها، فليس بمتكلم بصوت وليس بأبكم، ولا يسمع الأصوات وليس بأصم، ولا يبصر الصور وليس بأعمى، وهكذا، ولا يثبتون لله إلّا ما أثبتوه هم له من الصفات التي ذكرناها آنفاً، وخلافهم مع المعتزلة، هو حول ما أثبتوه من الصفات فقط!
وأما صفة الحياة، فلا تكون إلا لموجود، وكل موجود له ذات، وكل ذات لها شخص وحدّ تعرف به، وفعل يُدرَك به أنها حيّة، فإذا لم يكن للشيء شخص وحدّ يعرف به، وفعل، فكيف يكون حياً؟! هذا ثابت في العقل الذي يزعمون أنهم يحتجون به، وفي النقل الذي أعرضوا عنه!
وإذا لم يكن الشيء حياً، فكيف يكون عالماً، أو مريداً، أو قادراً، أو يحدّث نفسه؛ لأن هذه الصفات لا تكون إلا لمن كان حياً وله ذات، وهم لا يثبتون لله تعالى وتقدس حياة حقيقية ولا ذاتاً حقيقيّة.
وحاصل عقيدة القوم في الله تعالى، أنه ليس له ذات حقيقيّة، وإنما هو وهم يعشعش في مخيّلاتهم، وشعور يشعرون به، ولذلك يقول أحدهم: أن الله مثل الحب، والحب ليس له وجود في عالم الوجود، وإنما هو شعور يُشعر به فقط، وزعم أنه ليس للحب مكان، ونسي أن الحبّ، مكانه القلب، فمثّل الله تعالى بالحبّ!
وحاصل قول هؤلاء المتكلمين من الأشاعرة والمعتزلة، أن الله ليس بموجود على الحقيقة، ولذلك تجد أكثرهم انحرف إلى الشرك وعبادة الموجودات كأسلافهم الفلاسفة الملاحدة القدماء، ولكن كل ما في الأمر، أنهم استبدلوا الأصنام التي كان يعبدها أسلافهم الفلاسفة، بالأنبياء والأولياء، فعبدوهم من دون الله تعالى وتقدس، وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم كانوا يظلمون.